القديسه فيرونيا
في مدينة نصيبين مدينة الحدود أقيم دير للراهبات ضم خمسين راهبة وفي سنة 286 م كانت الأم بيرونا رئيسة الدير عندما احتضنت ابنة أخيها الطفلة فبرونيا وهي في الثانية من العمر فأحاطتها بعنايتها الفائقة وحافظت عليها محافظة الجفن للعين وعهدت بها الى تربيتها التربية السلمية وعلمتها أصول التعليم الإلهي والكتاب المقدس وحتى أضحت هذه التلميذة النجيبة المعلمة القديرة في قراءة وشرح الكتاب المقدس
كانت فبرونيا فتاة بهية الطلة طويلة القامة كاملة الأوصاف جميلة الهيئة وقد كانت تأكل مرة واحة كل يومين ولم تكن ترقد على الأرض وإذا راودتها التجارب كانت تلوذ للصلاة
كانت قد خصصت الرئيسة المرحومة الأم فلطونيس معلمة بيرونا نهار الجمعة من الأسبوع لدراسة الكتاب المقدس حيث كانت الراهبات يجتمعن في الكنيسة في لقاء منظم تقوم الأم فلطونيس نفسها بقراءة وشرح الكتاب العزيز ثم تتولى الراهبة بيرونا عملية التدريس حتى المساء وبعد نياحة الأم فلطونيس تابعة الراهبة بيرونا هذه الخطة ونظرا ً لما لمسته من سعة المعرفة لدى الراهبة فبرونيا في شرح الكتاب المقدس أذنت لها بقراءته وشرحه للراهبات بحسب الخطة المرسومة كما أذنة لها بقراءته وشرحه ولكن من وراء الستار للنسوة اللواتي كن يجتمعن في الدير أيام الآحاد والأعياد
أثار الأمبراطور ديوقلطيانس 284-305 م على المسيحية الأضطهاد العاشر الذي وصف بأفظع الشدائد التي نزلت بالنصرانية إن لم يكن أشدها هولا ً بطول مدته وتلون تعاذيبه وكثرة شهدائه توجهت حملة من حملات الأضطهاد الى بلاد ما بين النهرين بقيادة سيلينيوس ولوسمكوس الذي اصطحب معه القائد فريموس وبعد سقوط مدينة نصيبين جعل دير الراهبات فيها هدف من أهداف المضطهدين الغزاة فغادرته الراهبات السبع والأربعون ولم يبق فيه إلا الأم الرئيسة بيرونا ونائبتها تومايس والراهبة الشابة فبرونيا وحاول الغزاة الأشرار استمالة الأخيرة الى الوثنية عارضين عليها الزواج من أحد قادة الحملة الشاب لوسمكوس واعدين إياها بالعيش الرغيد والحياة الهانئة ولكن أنى لها أن تنكث عهدها المقدس الذي قطعته مع يسوع الفادي فتصبح أضحوكة للشياطين وأتباعهم الوثنيين
أقتحم الجنود حرم الدير وقيدوا فبرونيا بالسلاسل مكبلين عنقها بطوق من الحديد ثقيل وجروها بينما كانت بيرونا وتومايس تشجعانها وتذكران لها مواقف خالدة من الكتاب الإلهي ومن سير الشهداء والقديسين في مثل هذه الحالة فأجابت فبرونيا بكلمات تنم عن ثقة وإيمان وختمتها بقولها المأثور / سأظهر بجسد المرأة عزيمة الرجل / وأخيرا ً طلبت مهلة لأداء الصلاة
بقيت بيرونا في الدير أما تومايس فأرتدت الزي العلماني وخرجت لمعاينة جهاد الراهبة فبرونيا حيث تصف لنا المحكمة الصورية التي أجريت لها والكلمات القاسية النابئة التي سمعتها والألام المبرحة التي أحتملتها بكل إيمان وثقة
إن الوصف الذي تصفه لنا الراهبة تومايس وهي تعاين محاكمة فبرونيا أمر يقف له شعر الرأس وتقشعر الأبدان فيا لهول ما كابدته تلك الفتاة من شتم وضرب وتعرية وحرق وقلع الأسنان إنها لاتهاب الموت
وعندما امر الحاكم بتعريت فبرونيا القديسة قالت له / إسمع أيها الحاكم إنك لو عريتني تماما ً من ثيابي لما حسبت هذا هواناً لأن صانع الذكور والإناث هو واحد وأنا مستعدة لقبول العذاب إن كانت أهلا ً لأتألم في سبيل ذاك الذي تألم من أجلي /
وعندما عريت القديسة فبرونيا قالت / هل من مجاهد ينزل حلبة الألعاب الأولمبية مرتديا ً جميع ثيابه أما كان لي أن أجابه العذاب وأنا عارية حتى النصر على الشيطان أبيك وأستهين بعذاباتك وتهديداتك وبعد ذلك أمر الحاكم بتمدد القديسة على النار وتضرم من تحتها وبعد ذلك أمر الحاكم بأن تجد جنبها بأمشاط من حديد ثم تضرم النار فيها وبعدها تناثر لحمها وأحترق جنبها فرفعت عينها فبرونيا وقالت نحو السماء / أسرع يارب الى معونتي ولا تتركني في هذه الساعة /
فأنزلت فبرونيا من فوق النار وربطت على عمود وأمر القائد بقطع لسانها ولكن بسبب صراخ الناس أمر بقلع سبع من أسنانها وبعد ذلك لم يبقى أمام الحاكم سوى أن قام بقطع ذدييها ويديها ورجليها وأقسم المنافق بأنه لن يتركها حية ولكي يذهب لتناول الطعام أمر بقطع رأسها فأستل الجلاد سيفه وأمسك بشعرها ونحرها كما تنحر الشاة
وبعد هذا نقمة السماء على الحاكم فبينما كان يتمشى في دار الولاية إذا به يخور كالثور ويضرب رأسه بأحد العمدان فيسقط ميتا ً وقد إستقت الراهبة تومايس هذا الخبر من لوسمكوس الذي قالت عنه المؤلفة أنه وفريموس آمنا وإعتمدا وأنخرطا في سلك الرهبنة
ثم بعد ذلك قام كل من لوسمكوس وفريموس بإعادة جثمان الشهيدة الطاهرة فبرونيا الى الدير ثم بنية كنيسة على أسمها بناها القديسمار يعقوب النصيبيني وأنه نقل قسم من رفاتها الطاهر الى تلك الكنيسة وأن الله قد شرف القديسة بآيات وعجائب كثيرة منها أنه في ذكرى استشهادها وعند القيام بصلاة الليل تظهر القديسة فبرونيا وهي واقفة في مكانها المألوف وتبقى هكذا حتى صلاة الساعة الثالثة أي التاسعة صباحا ً
وفي الختام تقول الراهبة تومايس أن الأم بيرونا توفيت بعد بناء الكنيسة المذكورة بسنتين فخلفتها في رئاسة الدير وكتبت هذه الشهادة مدحا ً وأكراما ً للطوباوية وخلاصا ً وتشجيعا ً للسامعين والقارئين
فلنسير كما سارت القديسة فبرونيا ولوقليلا ًً لندخل الملكوت السماوي[center]