أحد المصطلحات التى راجت بعد انقضاء اعتصام خلع المخلوع -ولا أقول بعد الثورة لأنها لم تنته- مصطلح: نشطاء. مَن هم النشطاء؟ هم المئتا «مهبوش» الذين أمضوا سنوات يقفون على سلالم النقابات، يحيط بهم ما يقرب من عشرة آلاف فرد أمن مركزى. بينما يقف الناس على الأرصفة يطالعونهم ما بين مبتسم بسخرية، ومتألم شفقة، وحائر هل ينضم إليهم أم ينصرف عنهم لأن «مافيش فايدة». أحد إنجازات الثورة هو ازدياد عدد «المهابيش».. بقينا بتاع خمستلاف واحد ولّا حاجة، وما زلنا نتمسك بلقب «نشطاء» بينما تسمينا الجهات «السيادية»: المحرِّضون. لا يضايقنى شخصيا لقب «محرِّض» وأراه يدعو للفخار، فالثورة تحريض بالأساس.
نعم.. أفخر بتحريض السادة المواطنين على النزول إلى الشارع للمطالبة بحقهم، سواء عبر الاعتصامات الفئوية، التى تنقل الثورة إلى أماكن العمل والدراسة ومحلات الإقامة، أو بالتظاهرات المطالبة بمطالب فرعية كإلغاء قانون الطوارئ -ألّا هو اتلغى ولّا قائم؟ الواحد مابقاش عارف حاجة- أو للعودة إلى مطالب الثورة الكبرى: عيش، حرية، كرامة وطنية، عدالة اجتماعية، أو للاعتراض على العمليات المنظمة الهادفة للسكع على القفا كالمحاكمات العسكرية، والمماطلة فى تحقيق مطالب الثورة، المهم أن لا يخلو الشارع المصرى من المواطنين الشرفاء بحق، الذين لا ينزلون لحماية الجيش والشرطة، وإنما يجوبون الشوارع لحماية الوطن.
أقر الموقعة أعلاه أننى أحرض كل قابع فى بيته على النزول لحماية الثورة التى بذلنا ونبذل فيها دماء خيرة شبابنا. لا أكلف إلا نفسى وأحرض المصريين، وأتجاوز ذلك إلى تحميل كل صامت مسؤولية دماء من استشهد وسيستشهد: كنبتكم تقتلنا. كلما قل عددنا سهل احتواء الثورة و«المحرضين» الذين يسير مصيرهم نحو المحاكمات العسكرية والخطف والدهس المرتبك والقنص من جهات ثالثة. الجالس فى بيته مسؤول عن احتراق قلوب الأمهات بالقلق والثكل والهلع. الجالس فى بيته مسؤول عن اجتراء «الجهات السيادية» على العزل. الجالس فى بيته مسؤول عن أمل ينبعث فى نفوس أعداء الثورة والوطن لتجديد النظام القديم. الجالس فى بيته يحمل فى رقبته دماء الشهداء وهو مسؤول عن إهدارها.
لا أقول ذلك لأبتز الساعين خلف لقمة العيش -وكلنا هذا المواطن- وإنما أقرر حقيقة وأذكّر أصحاب ذاكرة السمكة: فاكرين عمر سليمان طبعا.. هو أنا باديكم فرصة تنسوه؟ تذكرون حين قال لنا: جوووووو هووووووم.. اذهبوا إلى المنازل، وذلك عقب الخطاب المسمى بـ«العاطفى» للمخلوع (وأنا مش فاهمة كان عاطفى فى إيه؟ ده كان سئيل قوى)، وتذكرون الجهود المبذولة بعد هذا الخطاب لإخلاء الميدان، فبخلاف الحملة الإعلامية التى ناشد فيها أغلب مقدمى البرامج المتظاهرين العودة إلى منازلهم، وبخلاف إطلاق الجمال والبغال والحمير علينا بالميدان، قامت الجهات السيادية بالاتصال بشخصيات محل ثقة المواطنين، وتعهدت لهم بحماية المتظاهرين فى حال ما إذا عادوا إلى بيوتهم، وبالفعل جاء بعض الشخصيات الوطنية، التى صدّقت بحسن نية تعهدات الجهات السيادية، وطلبت منا الخروج من الميدان، فاستجابت الأقلية، بينما أجمع الأغلبية على المكوث ولو أدى الأمر إلى استشهادنا جميعا. بعد خلع المخلوع، صرح الإعلامى وائل الإبراشى فى أحد البرامج على قناة «المحور» -وكنت معه فى هذا البرنامج- بأن لديه معلومات موثقة تؤكد أن الخطة التى رُسمت وقتها هى إخلاء الشارع حتى يتم الانفراد بالوجوه المعروفة الممثلة للثورة، وتلفيق تهم الخيانة العظمى لهم، والتنكيل بهم حتى يكونوا عبرة للجماهير التى كان من المفترض أن ترتعد من مصير هذه الوجوه، وتمكث فى المنزل، ليتم إعادة إنتاج النظام بشكل أكثر شراسة وقمعا، تماما كما فعل محمد على بقيادات الثورة على خورشيد باشا، حيث شنقهم فى الميادين إرهابا للجماهير التى خرجت فى الثورة.
أيها الإخوة المواطنون، الخطة المذكورة أعلاه حقيقية، ولم يتم إلغاؤها أو استبدالها، فقط تم تأجيلها إلى حين خلو الشارع، وبما أن الشارع المصرى، ولله الحمد والمنة، لم يخل تماما حتى الآن، فإن الخطة يتم تنفيذها بشكل مقطّر: محاكمات عسكرية، حوادث سير، استدعاءات إلى النيابة العسكرية، تهديدات، اختطافات، انفراد بكل اعتصام قليل العدد، وطبعا المواطنون الشرفاء، اللى همّا تحريات عسكرية من الآخر. ونحن -أى المهابيش- إذ نحذر من هذه الخطة، لا نخشى على أنفسنا، فكلنا يسأل زميله كل يوم: هو إحنا حنستشهد إمتى؟ لكننا نعلم أنه فى حال خلو الشارع تماما، وتنفيذ الخطة المذكورة بكامل أركانها، فإن مصر ستدخل عهدا من القمع والقهر والاستبداد يدوم لعشرات السنين، وحلّنى بقى على الثورة الجاية.
عليك أن تختار حاكم هذه البلاد: الشارع الثائر، أو «الجهات السيادية» المنتمية إلى نظام يناضل من أجل الاستمرار.
انزل.
التحرير